فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المبعد عنه تعالى: {وأولئك هُمُ المفلحون} [آل عمران: 104] الذين لم يبق لهم حجاب وهم خلفاء الله تعالى في أرضه {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين تَفَرَّقُواْ} واتبعوا الأهواء والبدع {واختلفوا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات} الحجج العقلية والشرعية الموجبة للاتحاد واتفاق الكلمة {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] وهو عذاب الحرمان من الحضرة {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} قالوا: ابيضاض الوجه عبارة عن تنور وجه القلب بنور الحق المتوجه إليه والإعراض عن الجهة السفلية النفسانية المظلمة ولا يكون ذلك إلا بالتوحيد واسوداده ظلمة وجه القلب بالإقبال على النفس الطالبة لحظوظها والإعراض عن الجهة العلوية النورانية {فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ} فيقال لهم {أَكْفَرْتُمْ} أي احتجبتم عن الحق بصفات النفس {بَعْدَ إيمانكم} أي تنوركم بنور الاستعداد وصفاء الفطرة وهداية العقل {فَذُوقُواْ العذاب} وهو عذاب الاحتجاب عن الحق {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106] به {وَأَمَّا الذين ابيضت وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ الله} الخاصة التي هي شهود الجمال {هُمْ فِيهَا خالدون} [آل عمران: 107] باقون بعد الفناء {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ} من مكامن الأزل {لِلنَّاسِ} أي لنفعهم {تَأْمُرُونَ بالمعروف} الموصل إلى مقام التوحيد {وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} وهو القول بتحقق الكثرة على الحقيقة {وَلَوْ ءامَنَ أَهْلُ الكتاب} كإيمانكم {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} مما هم عليه {مّنْهُمُ المؤمنون} كإيمانكم {وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون} [آل عمران: 110] الخارجون عن حرم الحق {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} وهو الإنكار عليكم بالقول: {وَإِن يقاتلوكم} ولم يكتفوا بذلك الإيذاء {يُوَلُّوكُمُ الادبار} ولا ينالون منكم شيئًا لقوة بواطنكم وضعفهم {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} [آل عمران: 111] لا ينصرهم أحد أصلًا بل يبقون مخذولين لعدم ظهور أنوار الحق عليهم، والله تعالى الموفق. اهـ.

.تفسير الآيات (113- 115):

قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ الله آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَالله عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان السياق ربما أفهم أنهم كلهم كذلك قال مستأنفًا نافيًا لذلك: {ليسوا سواء} أي في هذه الأفعال، يثني سبحانه وتعالى على من أقبل على الحق منهم وخلع الباطل ولم يراع سلفًا ولا خلفًا بعيدًا ولا قريبًا.
ثم استأنف قوله بيانًا لعدم استوائهم: {من أهل الكتاب} فأظهر لئلا يتوهم عود الضمير على خصوص من حكم بتكفيرهم {أمة} أي جماعة يحق لها أن تؤم {قائمة} أي مستقيمة على ما أتاها به نبيها في الثبات على ما شرعه، متهيئة بالقيام للانتقال عنه عند مجيء الناسخ الذي بشر به ووصفه.
غير زائغة بالإيمان ببعضه والكفر ببعضه.
ثم ذكر الحامل على الاستقامة فقال: {يتلون} أي يتعابعون مستمرين {آيات الله} أي علامات ذي الجلال والإكرام المنزلة الباهرة التي لا لبس فيها {آناء الليل} أي ساعاته {وهم يسجدون} أي يصلون في غاية الخضوع.
ثم ذكر ما أثمر لهم التهجد فقال: {يؤمنون} وكرر الاسم الأعظم إشارة إلى استحضارهم لعظمته فقال: {بالله} أي الذي له من الجلال وتناهي الكمال ما حير العقول.
وأتبعه اليوم الذي تظهر فيه عظمته كلها، لأنه الحامل على كل خير فقال: {واليوم الآخر} أي إيمانًا يعرف أنه حق بتصديقهم له بالعمل الصالح بما يرد عليهم من المعارف التي ما لها من نفاد، فيتجدد تهجدهم فتثبت استقامتهم.
ولما وصفهم بالاستقامة في أنفسهم في أنفسهم وصفهم بأنهم يقوّمون غيرهم فقال: {ويأمرون بالمعروف} أي مجددين ذلك مستمرين عليه {وينهون عن المنكر} لذلك، ولما ذكر فعلهم للخير ذكر نشاطهم في جميع أنواعه فقال: {ويسارعون في الخيرات} ولما كان التقدير: فأولئك من المستقيمين، عطف عليه: {وأولئك} أي العالو الرتبة {من الصالحين} إشارة إلى أن من لم يستقم لم يصلح لشيء، وأرشد السياق إلى أن التقدير: وأكثرهم ليسوا بهذه الصفات.
ولما كان التقدير: فما فعلوا من خير فهو بعين الله سبحانه وتعالى، يشكره لهم، عطف عليه قوله: {وما تفعلوا} أي أنتم {من خير} من إنفاق أو غيره {فلن تكفروه} بل هو مشكور لكم بسبب فعلكم، وبني للمجهول تأدبًا معه سبحانه وتعالى، وليكون على طريق المتكبرين.
وعطف على ما تقديره: فإن الله عليم بكل ما يفعله الفاعلون، قوله: {والله} أي المحيط بكل شيء {عليم بالمتقين} من الفاعلين الذين كانت التقوى حاملة لهم على كل خير، فهو يثيبهم أعظم الثواب، ويغيرهم فهو يعاقبهم بما يريد من العقاب، هذا على قراءة الخطاب، وأما على قراءة الغيبة فأمرها واضح في نظمها بما قلته. اهـ.

.اللغة:

{آناء} أوقات وساعات مفردها إنى على وزن معى.
{يكفروه} يجحدوه من الكفر بمعنى الجحود، سمي منع الجزاء كفرا لأنه بمنزلة الجحد والستر.
{صر} الصر: البرد الشديد، قاله ابن عباس، وأصله: من الصرير الذي هو الصوت، ويراد به الريح الشديدة الباردة.
{حرث} زرع وأصله من حرث الأرض إذا شقها للزرع والبذر.
{بطانة} بطانة الرجل: خاصته الذين يفضي إليهم باسراره، شبه ببطانة الثوب لأنه يلي البدن.
{لا يألونكم} اى لا يقصرون، قال الزمخشري: يقال: الأ في الأمر يألو إذا قصر فيه.
{خبالا} الخبال: الفساد والنقصان، ومنه رجل مخبول إذا كان ناقص العقل.
{عنتم} العنت: شدة الضرر والمشقة.
{الأنامل} اطراف الأصابع. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ويسارعون} وبابه كـ {سارعوا} [آل عمران: 133] و{نسارع} [المؤمنون: 56] ممالة: قتيبة وأبو عمرو طريق بن عبدوس.
{ما يفعلوا} {فلن يكفروه} بياء الغيبة: حمزة وعلي وخلف وحفص أبو عمرو مخير. الباقون: بتاء الخطاب {تسؤهم} وبابه من كل همزة مجزومة بغير همزة: الأعشى وأوقية، والأصفهاني عن ورش وحمزة في الوقف {لا يضركم} من الضير: أبو عمرو وسهل ويعقوب وابن كثير ونافع. وقرأ المفضل {لا يضركم} بالفتح الباقون: {لا يضركم} بالضم كلاهما من الضر مجزومًا ثم محركًا للساكنين فالفتح للخفة والضم للإتباع {تعملون محيط} بتاء الخطاب: سهل. الباقون: بياء الغيبة.

.الوقوف:

{المسكنة} ط {بغير حق} ط {يعتدون} o قيل: لا وقف عليه لأن ضمير {ليسوا} يعود إلى ما يعود إليه ضمير {منهم المؤمنون} لبيان الفضل بين الفريقين، والذين عصوا واعتدوا أحد الفريقين {سواء} ط {يسجدون} o قيل: لا وقف على جعل {يؤمنون} حالًا لضمير {يسجدون} ولا يصح بل الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوصاف لهم مطلقة غير مختصة بحال السجود {الخيرات} ط {الصالحين} o {يكفروه} ط {المتقين} o {شيئًا} ط {النار} ج {خالدون} o {فأهلكته} ط {يظلمون} ج {خبالًا} ط {ما عنتم} ج لاحتمال كون قد بدت حالا {أكبر} ط {تعقلون} o {كله} ج للعطف مع الحذف أي وهم لا يؤمنون بكتابكم {آمنا} ق قد قيل: والوصل أولى لأن المقصود بيان تناقض حاليهم في النفاق {من الغيظ} ط {يغيظكم} ط {الصدور} o {تسؤهم} ز للابتداء بشرط آخر والوصل أجوز إذ الغرض تقرير تضاد الحالين منهم.
{يفرحوا بها} ط لتناهي وصف الذم لهم وابتداء شرط على المؤمنين {شيئًا} ط {محيط} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن في قوله: {لَيْسُواْ سَوَاء} قولين:
أحدهما: أن قوله: {لَيْسُواْ سَوَاء} كلام تام، وقوله: {مّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} كلام مستأنف لبيان قوله: {لَيْسُواْ سَوَاء} كما وقع قوله: {تَأْمُرُونَ بالمعروف} [آل عمران: 110] بيانًا لقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] والمعنى أن أهل الكتاب الذين سبق ذكرهم ليسوا سواء، وهو تقرير لما تقدم من قوله: {مّنْهُمُ المؤمنون وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون}، ثم ابتدأ فقال: {مّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} وعلى هذا القول احتمالان:
أحدهما: أنه لما قال: {مّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} كان تمام الكلام أن يقال: ومنهم أمة مذمومة، إلا أنه أضمر ذكر الأمة المذمومة على مذهب العرب من أن ذكر أحد الضدين يغني عن ذكر الضد الآخر وتحقيقه أن الضدين يعلمان معًا، فذكر أحدهما يستقل بإفادة العلم بهما، فلا جرم يحسن إهمال الضد الآخر.
قال أبو ذؤيب:
دعاني إليها القلب إني لامرؤ ** مطيع فلا أدري أرشد طلابها

أراد (أم غي) فاكتفى بذكر الرشد عن ذكر الغي، وهذا قول الفراء وابن الأنباري، وقال الزجاج: لا حاجة إلى إضمار الأمة المذمومة، لأن ذكر الأمة المذمومة قد جرى فيما قبل هذه الآيات فلا حاجة إلى إضمارها مرة أخرى، لأنا قد ذكرنا أنه لما كان العلم بالضدين معًا كان ذكر أحدهما مغنيًا عن ذكر الآخر، وهذا كما يقال زيد وعبد الله لا يستويان زيد عاقل ديّن زكي، فيغني هذا عن أن يقال: وعبد الله ليس كذلك، فكذا هاهنا لما تقدم قوله: {لَيْسُواْ سَوَاء} أغنى ذلك عن الإضمار.
والقول الثاني: أن قوله: {لَيْسُواْ سَوَاء} كلام غير تام ولا يجوز الوقف عنده، بل هو متعلق بما بعده، والتقدير: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة وأمة مذمومة، فأمة رفع بليس وإنما قيل {لَّيْسُواْ} على مذهب من يقول: أكلوني البراغيث، وعلى هذا التقدير لابد من إضمار الأمة المذمومة وهو اختيار أبي عبيدة إلا أن أكثر النحويين أنكروا هذا القول لاتفاق الأكثرين على أن قوله أكلوني البراغيث وأمثالها لغة ركيكة، والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{لَيْسُواْ سَوَاء} أخرج ابن إسحق والطبراني والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن شعبة وأسيد بن شعبة وأسيد بن عبيد ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد وتبعه إلا أشرارنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره فأنزل الله تعالى في ذلك {لَيْسُواْ سَوَاء} إلى قوله سبحانه وتعالى: {وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصالحين} (آل عمران؛ 114) والجملة على ما قاله مولانا شيخ الإسلام تمهيد لتعداد محاسن مؤمني أهل الكتاب، وضمير الجمع لأهل الكتاب جميعًا لا للفاسقين (منهم) خاصة وهو اسم ليس وسواء خبره، وإنما أفرد لكونه في الأصل مصدرًا والوقف هنا تام على الصحيح والمراد بنفي المساواة نفي المشاركة في أصل الاتصاف بالقبائح المذكورة لا نفي المساواة في الاتصاف بمراتبها مع تحقق المشاركة في أصل الاتصاف ومثله كثير في الكلام. اهـ.

.قال الفخر:

في المراد بأهل الكتاب قولان:
الأول: وعليه الجمهور: أن المراد منه الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام، روي أنه لما أسلم عبد الله بن سلاّم وأصحابه قال لهم بعض كبار اليهود: لقد كفرتم وخسرتم، فأنزل الله تعالى لبيان فضلهم هذه الآية، وقيل: أنه تعالى لما وصف أهل الكتاب في الآية المتقدمة بالصفات المذمومة ذكر هذه الآية لبيان أن كل أهل الكتاب ليسوا كذلك، بل فيهم من يكون موصوفًا بالصفات الحميدة والخصال المرضية، قال الثوري: بلغني أنها نزلت في قوم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء، وعن عطاء: أنها نزلت في أربعين من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثلاثة من الروم كانوا على دين عيسى وصدقوا بمحمد عليه الصلاة والسلام.
والقول الثاني: أن يكون المراد بأهل الكتاب كل من أوتي الكتاب من أهل الأديان، وعلى هذا القول يكون المسلمون من جملتهم، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] ومما يدل على هذا ما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال: «أما أنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله تعالى هذه الساعة غيركم» وقرأ هذه الآية، قال القفال رحمه الله: ولا يبعد أن يقال: أولئك الحاضرون كانوا نفرًا من مؤمني أهل الكتاب، فقيل ليس يستوي من أهل الكتاب هؤلاء الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فأقاموا صلاة العتمة في الساعة التي ينام فيها غيرهم من أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا، ولم يبعد أيضا أن يقال: المراد كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فسماهم الله بأهل الكتاب، كأنه قيل: أولئك الذين سموا أنفسهم بأهل الكتاب حالهم وصفتهم تلك الخصال الذميمة والمسلمون الذين سماهم الله بأهل الكتاب حالهم وصفتهم هكذا، يستويان؟ فيكون الغرض من هذه الآية تقرير فضيلة أهل الإسلام تأكيدًا لما تقدم من قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] وهو كقوله: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]. اهـ.

.قال الألوسي:

{مّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} استئناف مبين لكيفية عدم التساوي ومزيل لما فيه من الإبهام، وقال أبو عبيدة: أنه مع الأول كلام واحد، وجعل أمة اسم ليس والخبر سواء فهو على حد أكلوني البراغيث، وقيل: أمة مرفوع بسواء وضعف كلا القولين ظاهر، ووضع {أَهْلِ الكتاب} موضع الضمير زيادة في تشريفهم والاعتناء بهم والقائمة من قام اللازم بمعنى استقام أي: أمة مستقيمة على طاعة الله تعالى ثابتة على أمره لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيعوه، وحكي عن ابن عباس وغيره، وزعم الزجاج أن الكلام على حذف مضاف والتقدير ذو أمة قائمة أي ذو طريقة مستقيمة، وفيه أنه عدول عن الظاهر من غير دليل. والمراد من هذه الأمة من تقدم في سبب النزول، وجعل بعضهم أهل الكتاب عامًا لليهود والنصارى وعد من الأمة المذكورة نحو النجاشي وأصحابه ممن أسلم من النصارى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ الله آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}.
استئناف قصد به إنصاف طائفة من أهل الكتاب، بعد الحكم على معظمهم بصيغة تعمّهم، تأكيدًا لِما أفاده قوله: {منهم المؤمنون وأكثرُهم الفاسقون} [آل عمران: 110] فالضمير في قوله: {ليسوا} لأهل الكتاب المتحدّث عنهم آنفًا، وهم اليهود، وهذه الجملة تتنزّل من التي بعدها منزلة التمهيد.